ينتظرون نتائج «انابوليس» ... اللبنانيون يعيشون أيام الفراغ «بهدوء» صحافة وإعلام
لا يبعث مشهد الآليات العسكرية المنتشرة بكثافة في شوارع بيروت وأزقتها على الطمأنينة. مشهد العسكريين أيضاً، بثيابهم المرقطة لا يوحي بأن الحال على ما يرام. فاليوم هو واحد من الأيام التالية لرحيل الرئيس السابق اميل لحود من قصر بعبداً، من دون انتخاب خلف له.
والفراغ، وإن كان متوقعاً من جانب لبنانيين كثر، إلا أن لرهبته وقعاً ثقيلاً على حال المدينة الحية وأهلها. ويبقى لكل منهم طريقة خاصة في رؤيته والتعامل معه.
سعيد ابن منطقة المزرعة كان فتياً حين وقعت البلاد في الفراغ عام 1988. يذكر من تلك المرحلة تفاصيل مستقاة بمعظمها من تجارب أهله وأحكامهم، ليؤكد أن «اليوم الوضع مختلف». يقول إنه عاش عام 1988 خوفاً أكبر بكثير مما يعيشه اليوم. وعلى رغم انه صار مسؤولاً عن زوجة وثلاثة أولاد، توحي «نظرة معمقة إلى مختلف الأطراف اللبنانيين، بأن لا أحد منهم قادراً حالياً على المغامرة بخوض حرب جديدة». لذلك فهو مطمئن، وإن كان امتنع عن الخروج من بيته مساء، «مبدئياً إلى حين معرفة نتائج مؤتمر أنابوليس».
المنطقة حيث يعيش سعيد أشبه بسوق تجاري. غير أن حال الهدوء الحذر المسيطرة عليها في اليومين الماضيين، تشبه تماماً الحال بعد كل تفجير أو عملية اغتيال. وكما في أسواق أخرى، المحال شبه فارغة من الزبائن. والباعة يقطعون الجلسات الطويلة وراء المكتب، بـ «كزدورة» على الرصيف المجاور.
تعمل ريما بائعة في محل للألبسة النسائية في شارع مار الياس، وتقطن في الشارع نفسه. تشير بيدها إلى شارع مجاور، وتتحدث كيف أيقظ دوي الرصاص من كان نائماً ليلة رحيل لحود. تروي بإعجاب ظاهر كيف اختلطت أصوات المفرقعات بأصوات الرصاص الحي، وكيف نزل شبان من المنطقة ليلاً إلى الشوارع لتوزيع الحلوى احتفاء بـ «طي صفحة سوداء من تاريخ لبنان».
لا تبدو ريما مهتمة كثيراً بما يمكن أن يحصل في المرحلة المقبلة. فبالنسبة إليها: «عندنا حكومة تتولى الأمر إلى حين تأمين رئيس جديد».
صاحب المحل حيث تعمل ريما يؤيد توجهاتها السياسية. ولا يبدو عليه أنه يولي أهمية فعلية لعدم اعتراف البعض بالحكومة القائمة ومؤسساتها، فـ «هذا كله حكي بالسياسة، وعلى الأرض الواقع مختلف... ببساطة: من أين يتقاضى المشككون بدستورية الحكومة وشرعيتها رواتبهم؟».
الباحث عن رأي مخالف للرأيين السابقين لن يحتاج إلى أكثر من خطوتين في الشارع نفسه. محمد يبدو متأثراً برحيل لحود من سدة الرئاسة. بالنسبة إليه «لحود كان الرئيس الوحيد الذي دعم المقاومة ولم يكن طائفياً». يسخر من المحتفلين برحيل لحود، ويقول كمن يرد على الشامتين: «الرئيس لم يرحل غصباً عنه. هو اختار تسليم الجيش مسؤولياته بعدما انتهت ولايته، وبقي حتى اللحظة الأخيرة على مواقفه». يمهل محمد اللبنانيين فترة عهدين لـ «يروا من سيأتي بعده ويعرفوا قيمته ويترحموا على أيامه».
في السوق نفسه، ينعكس القلق عبارات كثيرة على السنة المارة. بعضهم يتحدث عن هدوء نسبي إلى حين انتهاء مؤتمر «انابوليس»، وبضعهم الآخر يبدي مخاوف كبيرة من سيناريوات خارجية لتقسيم لبنان.